التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علمُ الأصوات واختلاف السنة البشر وهل باستطاعتنا تعلم كل اللغات ؟


يرتبط النطق أصلا عند الإنسان باللسان وبالشفتين والحلق – وهي الأدوات التي يستعملهما عند نطق الحروف ، إلا أن النطق أصلا يحتاج لأكثر منها عند أداء عدد من الأصوات ( الحروف) ، فهو يحتاج إلى كامل الفم بما فيه الأسنان عند إخراج هذه الحروف بشكل صحيح كما يحتاج أيضا إلى توقيت ووقف وسكوت.

(( علمُ الأصوات Phonétique علمٌ جديد
قديم:
جديدٌ لأنه واحدٌ من فروع علم اللسانيات linguistque الذي لا يعدوْ تأسيسهُ مطلعَ هذا القرن على يد اللغوي السويسري فردينان دوسوسّور (1857 - 1913).
وقديمٌ لأنه واحد من العلوم التي تقوم عليها كلُّ لغة، فاللغة أصواتٌ تتألف منها كلماتٌ تنظم في جمل فتؤدي معاني شتّى، أو هي على حد تعبير ابن جني: "أصوات يعبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم". والصوت كما قال الجاحظ: "هو آلة اللفظ، والجوهرُ الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف، ولن تكُونَ حركاتُ اللسان لفظاً ولا كلاماً موزوناً ولا منثوراً إلاّ بظهور الصوت. ولا تكون الحروف كلاماً إلا بالتقطيع والتأليف".
ولمّا كان الأمر كذلك فقد عُني أصحاب كلِّ لغة بأصواتها منذ أقدم العصور، من ذلك ما أُثِر عن قدماء اليونان كأفلاطون وأرسطو من ملاحظاتٍ صوتيةٍ متناثرة، وكذا ما ورد عن قدماء الرومان أمثال بريسكيان وترنتيانوس. أما الهنود فكانوا أكثرَ اتساعاً وأعمقَ أثراً في آرائهم الصوتية، وهم أول من نظر إلى الدراسات الصوتية على أنها فرع مستقل من فروع علم اللغة، واشتهر منهم بانيني بكتابه المسمى Ashtadhyayi ))  
(( وقد ثبت علمياً أن الصوت اهتزازات محسوسة في موجات الهواء ، تنطلق من جهة الصوت ، وتذبذب من مصانعه المصدّرة له ، فتسبح في الفضاء حتى تتلاشى ، يستقر الجزء الأكبر منها في السمع بحسب درجة تذبذبها ، فتوحي بدلائلها ، فرحاً أو حزناً ، نهياً أو أمراً ، خبراً أو إنشاء ، صدى أو موسيقى ، أو شيئاً عادياً مما يفسره التشابك العصبي في الدماغ ، أو يترجمه الحس المتوافر في أجهزة المخ بكل دقائقها ، ولعل في تعريف ابن سينا (ت : 428هـ ) إشارة إلى جزء من هذا التعريف ، من خلال ربطه الصوت بالتموج ، واندفاعه بسرعة عند الانطلاق ، فهو يقول : « الصوت تموج الهواء ودفعه بقوة وسرعة من أي سبب كان »
ولا كبير أمر في استعراض تمرس علماء العربية بهذا النمط من الدراسات والتحديدات ، وهذا النحو من تلمس الصوت فيزيائياً ، وقياس سرعته ومساحته أمواجياً فقد سبق إليه جملة من الباحثين .
والصوت غنائياً : تعبير عن كل لحن يردد على نحو خاص من الترجيع في الشعر العربي له طريقة محددة ، ورسم يعرف به ، لأن الأصوات : مجموعة مختارة من أغاني العرب القديمة والمولدة في أشعارها ومقطعاتها » أمر الرشيد المغنين عنده أن يختاروا له مائة صوت منها فعيونها له . ثم أمرهم باختيار عشرة فاختاروها ، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا . وحكي أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق المذكورة لا تبقي نغمة في الغناء إلا وهي فيها في ألحان موسيقية ثلاثة هي : لحن معبد ، ولحن ابن سريج ، ولحن ابن محرز ، في جملة من الشعر العربي .
وتسمية هذه الألحان بالأصوات ناظرة إلى الغناء لأنه تلحين الأشعار))- (3)
((وكان من نتائج مسيرة التطور للبحث الصوتي عند الأوروبيين أن قسموا الأصوات اللغوية إلى قسمين رئيسيين :
الأول : كونسونانتس ـ consonants .
الثاني : فويلز ـ vowels .
ويمكن تسمية القسم الأول بالأصوات الساكنة ، وتسمية الثاني بأصوات اللين ، أو هي : الأصوات الصامتة والأصوات الصائتة (2) . وهذا ما أشار إليه علماء الصوت العرب منذ عهد مبكر لدى اعتبارهم الفتحة والكسرة والضمة ، وألف المدّ ، وياء المدّ ، وواو المدّ : أصوات لين ، وما سواها أصوات ساكنة .
ومع أن الاهتمام العربي المبكر كان منصبّا على الأصوات الساكنة وهي الصامتة ، وقد عبر عنها العلماء برموز كتابية معينة إلا أنهم أشاروا إلى الأصوات اللينة وهي الصائتة ، واعتبروها بعض تلك الحروف .
وقد كان ابن جني ( ت : 392 هـ ) سبّاقاً إلى هذه الملاحظة بقوله : « اعلم أن الحركات بعض حروف المد واللين وهي : الألف والواو والياء ، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث وهي : الفتحة والكسرة والضمة .
فالفتحة بعض الألف ، والكسرة بعض الياء ، والضمة بعض الواو ، وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة : الألف الصغيرة ، والكسرة : الياء الصغيرة ، والضمة : الواو الصغيرة ، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة » (ابن جني) .
والدليل على صحة رأي ابن جني أن الحركات إذا أشبعتها أصبحت حروفاً ، فحركة الفتحة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ألفاً ، وحركة الكسرة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ياءّ ، وحركة الضمة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت واواً .
فكأن ابن جني يشير بذلك إلى التفاوت في كمية النطق ونوعيته ، فما يسمى بالألف عبارة عن فتحة ممدودة ، وما يسمى بالياء عبارة عن كسرة ممدودة ، وما يسمى بالواو عبارة عن ضمة ممدودة ، والعكس بالعكس .))-(3)
لقد بحث اللغويون قديما و حديثا في هذا العلم كل من خلال لغته و زاويته و ألفوا فيها الكتب التي اعتبرت مراجع في هذه اللغة أو تلك ، و لكني في هذا المقال سوف أحاول الربط بينها جميعا من خلال فتح زاوية صوتية جيدة تبين ألمشترك بين كل الفاظ البشر بطريقة نطقهم لأي لغة بشكل مطلق مما يلقي الضوء على صورة الصوت –وعلى طبيعة الأصوات و كيفية نشوء الألفاظ في اللغة الأم – التي منها تكونت كل لغات العالم .
إن علم الصوت عند الإنسان ( بمعناه اللغوي ) ، يعني بالنسبة لي ( بالمختصر ) حدوث صوت معين عند خروج الهواء من الفم معتمدا على موضع اللسان و شكل الشفتين و لقلقة الحلق ( الأوتار) – و طول المدة الزمنية التي يلفظ بها الحرف ، و لا بد لنا من القول أن الصوت ( بمعنى اللغة ) لا يتكون أصلا إلا من الزفير ، إما الشهيق فهو مرحلة الاستعداد لزفرة أو نفخة أخرى ( ولغويا يسمى ذلك الوقوف ) ، و يتمثل لنا ذلك جليا في أداء البوق ( بق – bouch ) .
تنقسم اللغة إلى أصوات ( يصورها الناس بأشكالٍ و حروف ) تبعا للطريقة التالية :
1- لإصدار أي صوت من الفم نحتاج إلى النفخ ( الزفير ) – فينتج عنه الصوت بالمطلق
2- الأصوات الأساسية التي تصدر عن هذا النفخ ثلاثة وهي ، الفتح و الضم و الكسر – يضاف إليها نظريا السكون و يجمعها كلها التنوين ، فالنون ليس حرفا أصيلا إنما هو إضافة صوت تنغيم للفظ .
فكما أن الألوان المتعددة في الكون أصلها ثلاثة – الأصفر و الأحمر و الأزرق – يضاف إليها الأسود و الأبيض ، فالحروف ( و أصواتها ) في الأصل كذلك.
فمن الأصفر و الأحمر ينتج البرتقالي ، و من الأصفر و الأزرق ينتج الأخضر ، و من الأحمر و الأزرق ينتج البنفسجي ،
وإذا أردنا أن نقسم الحروف تبعا لطريقة نطقها نستنتج أنها تنقسم إلى ثلاثة أشكال .
أ- حروف الشفتين : تعتمد هذه الحروف على شكل فتح أو استدارة أو ضم الشفتين.
ب- حروف اللسان : وهي الحروف التي يستعمل بها اللسان لنطق الحروف
ج - حروف الحلق : وهي الحروف التي تصدر من داخل الحلق
ولقد نتج عن هذه الطرق الثلاث و تداخلها مع بعضها سبعة أصوات أساسية ،
من هذا المنطلق نأتي إلى شرح الحروف السبعة الأساسية التي بنيت عليها كل لغات العالم و التي تتألف أصلا من هذه الطرق الثلاث.
حروف الفم :
1
 الأحرف الأولى أحرف فتح الشقتين : أ – ع -غ وهي حروف تصدر من الفم مع فتح الشفتين بشكل كبير. ( يمثلها باختصار حرف أليف )
2- أحرف الاستدارة وهي الحروف التي تصدر عن الفم عند استدارة الشفتين.: – و –نفخ مع هدير - ف – نفخ مع سكون - V نفخ مع اهتزاز ،( يمثلها باختصار حرف واو )
3- أحرف الإطباق: م – ب – p و هي ضم الشفتين ،( يمثلها باختصار حرف ميم )
4- حروف الحلق او الحروف الهوائية ، إخراج الهواء : هـ ، ح فح مع سكون – ج فح مع اهتزاز- ي - – خ فح مع خرير – ك فح موقوف – ق- فح موقوف من الحلق ،( يمثلها جميعا باختصار حرف هاء )
حروف الأسنان :
5 - حروف الالتصاق و السكون ، يلتصق اللسان بالأسنان ( أو بموضع الأسنان ) أو يبتعد عنها لمسافة قريبة: ت – د- ط – مع السكون ،( يمثلها باختصار حرف تاء )
6- حروف الاهتزاز – س - ش –ص - ض – ظ – ز – ،( يمثلها باختصار حرف سين )
7- حروف الارتجاج و يوضع بها اللسان في سقف الحلق : ل – ر ،( يمثلها باختصار حرف اللام ) .
وعليه فإن السلم الموسيقي ذو الدرجات السبع الذي بنيت عليه لغة الإنسان يتألف من سبعة أشكال أساسية للنطق ( أ- و – م – هـ - ت –س – ل ) – و كما يتكون السلم الموسيقي من سبعة أصوات أساسية تعلو و تنخفض حتى تصل إلى ما لا نهاية ) – كذلك الحروف تعلو وتنخفض حتى تصل إلى ما لا نهاية – و أسمي ذلك بالسكون الأعلى و السكون الأدنى )- فالصوت يتكون من موجات تصل إلى الحدود التي لا تستطيع الأذن أن تسمعها ، إذا ارتفعت عن حدود معينة أو إذا انخفضت عن حدود أخرى ) لذلك تختصر الحروف جميعها بسبعة أساسية ، يضاف إليها التصويت الثلاثي و التنوين الثلاثي ( النون) و السكوت الثلاثي .
و لا بد لنا من شرح للسكوت الثلاثي – فكما أن الصوت عندما يعلو أو ينخفض عن حدود معينة يصبح سكون إجباريا بالنسبة للإذن ، فإن السكوت الإرادي هو السكوت الثالث في هذا الباب .
و المتبصر في الأصوات يرى جليا في جميع لغات العالم تبدل هذه الحروف كل حرف ضمن مجموعته الصوتية ليتكون منه لفظة معينة تجعلنا ننطق الكلمة بلغة أخرى ، أو ربما يعتقد السامع أنها نطقت بلغة أخرى ، و لكنها في الأساس ألفاظ متشابهة و متماثلة.
مثلا :
خوليو – جوليو – يوليو – حليو ( حلو، حليوه – من الحلاوة و الجمال )
لو تعمقنا في دراسة هذه الطريقة البسيطة و تركنا لعقلنا المجال بقدرته على استيعاب الأصوات و الألفاظ لتوصلنا إلى إدراك معاني الكلمات في كل اللغات بسهولة و يسر .و لا يتطلب من الإنسان سوى بعض المرونة في طريقة ربط أصوات الكلمات بصورها ( كمجموعة من الأصوات المتغيرة بمرونة لصور ثابتة في الذهن) – وهذا بسيط جدا ، عندما نتخيل مدى التقارب بين كلمة فرنسية (refus) و أخرى انكليزية ( REFUSE ) و أخرى عربية ( رفض – رفظ ) مع علمنا الأكيد المسبق أن هذه الكلمات إنما هي لفظ متشابه لمعنى واحد.
و لا نرى غرابة بعد ذلك عندما نقول أن مكان – ومكاً – او بكا – أو بقاع – أو بقعة هي في أصلها مسميات لأمر واحد.
كيف تتكون اللغة في العقل؟؟ وهل يستطيع الإنسان فعلا أن يتعلم كل اللغات ويصبح ملما بها بشكل تلقائي؟:
فيتعلم حروف الفتح أ – ع – ( واع – اع – عا – آ - ) ، و ليس غريبا أن يكون من أولى ألفاظه حرف الغين في ( اغ )
ثم يتعلم حروف الإطباق : م – ب – p ( ما ، با – ماما بابا ) ، وكم من الأطفال يتعلمون Papa الملطفة قبل بابا المفخمة
و بينما هو في طور التعلم يتكون أول الكلام مما تعلمه ، ما و با
ثم يتعلم حروف الاستدارة : و – ف - V و هكذا
فتتكون اللغة عند الطفل و ليس غريبا أن يتقن تعلم النون منذ البداية فيقول ( نا نا ) – الأنين - كما يتقن السكوت
تتكون اللغة أصلا في العقل (*) المبرمج على تلقى الإشارات- الصور و الأصوات عن طريق السماع أو عن طريق البصر، فصورة الشيء تتكون في الذهن ( الفؤاد البصري) ، و يتم ربطها بصورة الصوت المعرف لها في الذهن ( الفؤاد الصوتي ) ، ثم يبدأ الطفل بتكوين لغته ( أي طريقته في نطق ما حفظه بالنظر و ما حفظه بالسماع ) 
لذلك نرى أن العديد من الناس عندما يحاول تعلم لغة جديدة لم يسمعها من قبل يظهر عنده إبدال لهذه الحروف بعضها مع بعض حروف لغته التي تعلمها منذ الصغر ولكن ضمن سياق السلم الموسيقي عينه فلا يجعل الألف ميما و لا يجعل السين لاما بل إنه يسير في الحدود المرسومة للحرف أصلا ( حسب الطريقة الأصيلة في أداء هذا الصوت في اللغة أولى) – محاولا أن ينطق الأصوات كما سمعها، لكنه يحتاج إلى وقت ريثما يتم له ضبط صوته على أصوات هذه اللغة بدقة ، فينتج عن ذلك لهجة جديدة .
وبكل البساطة نستطيع أن نؤكد انه عندما نحفز العقل الإنساني على استعمال قدرته على إدراك الأصوات السبعة بصيغتها الابتدائية و جعله يتكيف بربطها أصلا مع صورها و رموزها المخزنة معها في الذاكرة نستطيع أن نجعله يدرك بشكل فطري أن جميع لغات العالم تعود بأصلها إلى لغة واحدة ( وأنه يستطيع إدراك القواسم المشتركة بين كل اللغات) .


وفيما يلي مقطع طريف مقتطف من مسلسل كوميدي فيه يطلب المدير من موظفته ان تتحدث بعدة لغات ويكفيكم مشاهدته لتعلموا بأنه بمقدور أي إنسان مع القليل من الخبرة التمييز بين اللغات كافة  من اصواتها وان ان كان لا يجيد التحدث بها..





حاشية :
 (*)- العقل : لغويا ، كلمة عقل تعني ربط ، فالعقل هو ربط المعلومات المتكونة في الأفئدة ( الفائدة – الفوائد ) بعضها ببعض
المراجع :
(1) - بحث ، د. محمد حسان الطيان - شارك الكاتب بهذا البحث في المؤتمر الثامن والعشرين لتاريخ العلوم عند العرب الذي انعقد في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب 25-27 حزيران 2007
(2) – بحث علمي – منشور على شبكة المعلومات - أبو الأمل المهندس.


تعليقات

مواضيع شائعة

كل ما يخص رواية الأب غوريو Le Père Goriot

كل ما يخص رواية الأحمر والأسود Le Rouge et Le Noir

كل ما يخص رواية الشارة القرمزية The Scarlet Letter

كل ما يخص مسرحية فولبوني Volpone

الشيخ والبحر the old man and the sea

كل ما يخص رواية أميرة كليف la princesse de clèves

كل ما يخص مسرحية الدكتور فوستوس Doctor Faustus

الأدب

كل ما يخص مسرحية هوراس Horace